الرقمية وتأجيج الصراعات..

دستور نيوز3 أبريل 2024

ألدستور

من أخطر ما يقدمه الإنترنت وابنه الشرعي الأول هي منصات التواصل الاجتماعي، حيث تعطي الفرصة لمن يريد التعبير عن نفسه دون قيود، والمشاركة بعصبية -أحيانًا- في التعليق على المنشورات، أو بث محتوى سام مرة واحدة حيث يتعرضون لأي محتوى غير مرغوب فيه، والمشاركة غير الواعية والواعية في أنشطة قد تؤدي إلى فتنة تؤثر على أمن واستقرار الدول. أضف إعلان تعاني ثقافتنا العربية من الحساسية المفرطة تجاه أي انتقاد، ومن عيوب الغالبية العظمى من الناس في عالمنا العربي أنهم لا يقيسون الأمور بمقياس منطقي، بل هم من يصنعون أنفسهم وأجنداتهم وأهدافهم مصالحهم هي المعايير التي يعتمدون عليها في إصدار الأحكام، وهذا يؤثر على حركة المجتمع، ويؤدي إلى وقوع كوارث في العديد من المجالات، بدءاً من إنشاء محتوى ذاتي على منصات التواصل الاجتماعي، مروراً بغياب العدالة – في معظمها. حالات – في التعيينات أو الترقيات، وصولاً إلى اغتيال الشخصية، وعدم قبول النجاح، وكره المبدعين إذا كانوا لا ينتمون إلى مجموعتي أو أقاربي. ، أو شيء من هذا القبيل. كما يقال، أعطى العالم الرقمي لكل شخص ما يمكن أن يملأ غروره به. ومن كان إيجابياً وعقلانياً وجد فيه فرصة لبث ونشر المحتوى عالي الجودة الذي يوحد ولا يفرق. ومن كان سلبياً وديماغوجياً، فقد منحه الرقمي مساحات واسعة لنشر ما في جعبته، وبدلاً من أن تكون آثاره سلبية مقتصرة على محيطه وأقاربه وأصدقائه. أصبحت كل المساحة مسرحه وملعبه. وفي السياق نفسه، فإن الانتشار المذهل للإنترنت، وسهولة الحصول عليه، وانخفاض أسعار الأجهزة التي تحتوي عليه من أجهزة الكمبيوتر والهواتف المحمولة والأجهزة اللوحية وغيرها – أدى إلى أن يصبح الخبز اليومي للشعوب، بغض النظر عن مستواهم المالي وعلمهم ووعيهم، فالحديث عن ذلك الرقمي ليس بعبعًا يجب أن نخاف منه. إنه أمر غير واقعي وغير مدرك لما يحدث حولنا. وهذا الانتشار السريع وغير المتوقع والمفاجئ لم يمنح البشرية فرصة التفاعل ببطء مع هذا الاختراع للوصول إلى آليات وأساليب وبروتوكولات سليمة للتعامل معه. بل جعلت مختلف العلوم الاجتماعية تطاردها، في محاولة للحاق بها وتزويد الإنسانية بقواعد ومعايير التعامل معها. وانعكس هذا الأمر على كافة مؤسسات الدولة، بدءاً بالحكومات، مروراً بالهيئات التشريعية، وأخيراً الأسرة. في كل حدث يحدث في وطننا، الأردن، أو وطننا العربي الكبير، أو العالم، نضع أيدينا على قلوبنا، لأننا لا نعرف حينها كيف ستندلع معارك منصات التواصل الاجتماعي، وإلى إلى أي مدى سيأخذوننا ومن سيغذيهم بالكراهية والعنصرية والشتائم والبذاءة والغباء بكل ما يعنيه. الكلمة لها معنى، ولا نعرف من سيشارك في المعركة: هل هم أناس حقيقيون يعبرون عن ذواتهم المشوهة فكريا، أم ذباب رقمي، أم روبوتات، أو ربما جيوش مدربة على الفساد قادمة من عبر الحدود. وعلينا أن نعترف بأن عدداً لا بأس به من أبنائنا وبناتنا غير مؤهلين للتعامل مع المواقف الطارئة، وليس لديهم مستشعرات أمان تكبح غضبهم عندما يريدون التعبير عن أنفسهم، أو تمكنهم من صناعة محتوى إيجابي يعبر عن أنفسهم بشكل إيجابي. الطريق الصحيح، ولا يضر بالوحدة الوطنية، ولا يفرق بين الناس، ولا يجعل وطننا يعيش على طبق من ذهب. ولن نجد حلا إلا بجعل التربية الإعلامية جزءا أساسيا من التدريس في مدارسنا وجامعاتنا، وحتى دور عبادتنا، ومؤسساتنا الاجتماعية المختلفة، وأبرزها الأحزاب ومؤسسات المجتمع المدني، حتى يتعلم كل إنسان أن الكلمة قد تتحول في لحظة إلى قنبلة تدمرك وتدمر من حولك، وأن التصرفات المتهورة قد تهدم ما بنيناه وما أسسه آباؤنا وأجدادنا وأرسوه في عقود من الزمن، خلال ثوان معدودة. ولو كنت مكان الدولة الأردنية، وغيرها من الدول العربية، لجعلت تعيين معلمي التربية الإعلامية يمر عبر مرشحات أخرى لا علاقة لها بالطريقة التقليدية في التعيينات، ليكون حصادنا عملياً وليس عملياً. مبني على الحفظ، ونتائج لا علاقة لها بالواقع، ليكون هذا التعيين عن طريق المؤسسات. مجتمع مدني يضم خيرة العقول النيرة، حتى نتمكن من جعل هذا التعليم فعالا وله نتائج حقيقية للطالب، وهو ما ينعكس على طريقة تعامله مع المحتوى الذي يتلقاه، ويجعله صانع محتوى إيجابيا. ويمكن إنشاء مؤسسة خاصة لهذا الأمر، يتم تمويلها جزئياً أو كلياً من القطاع الخاص، ويديرها أشخاص ذوو عقل مدني يعتمد على تفكير إنساني منطقي بعيد عن كل الأمراض العصبية والإنجازات الخيالية غير المستندة إلى الواقع. بالإضافة إلى كل ما ذكر أعلاه، لا بد من إنشاء شهادة مطلوبة في جميع المناصب المهنية والحياتية، تعتمد على التدريب على بناء المحتوى الإيجابي، بحيث يخضع كل مواطن لمثل هذه الدورات، وتكون نتيجة الدورة هي النتيجة إنتاج المحتوى الذي يتم تقييمه، ولا مانع من إقامة مسابقات للكبار. والشباب وحتى كبار السن في بناء المحتوى الإيجابي. وإلا فسنبقى في بيوتنا كالجحور الخارجة من أفاعي الفتنة والكراهية والتعصب الإقليمي، وسيتربى أغلب الناس على محتوى كاذب تجاوز مرحلة “لا يسمننا”. أو تحرر من الجوع» إلى درجة «يؤذي ويقتل ويثير الفتنة». كل ما سبق، بالإضافة إلى تحسين حياة الناس ونشر الديمقراطية الحقيقية والتسامح وبناء هوية تجمع كل الناس في إطار وطني واحد، وبناء الانتماء الوطني المبني على الإنجاز الحقيقي، هو ما سيجعلنا نصل إلى بر الأمان. إن وطننا الحبيب الأردن ووطننا العربي الكبير العزيز يستحقان كل ذلك.

الرقمية وتأجيج الصراعات..

– الدستور نيوز

التعليقات

عذراً التعليقات مغلقة

اكتب ملاحظة صغيرة عن التعليقات المنشورة على موقعك (يمكنك إخفاء هذه الملاحظة من إعدادات التعليقات)